نزيف حوادث الطرق - 13 يونيو 2021
2021-09-28 685
حين كنتُ أدرسُ في جامعة (ويلز) كان معي صديقٌ سعوديٌّ يدرسُ الدكتوراه، ظلّ هذا الصديق 8 سنواتٍ يحاول الحصول على الرخصة البريطانية دون فائدة! مع أنه كان يحمل رخصة سعوديّة!.
في آخر محاولةٍ له قبيل تخرُّجِهِ اجتاز الاختبار العمليّ، ولكنَّ عَجْزَه عن تذكُّر (ألوانِ) إحدى الإشاراتِ المرورية حرمه من الحصول على الرخصة!
قد يبدو لك ذلك نوعاً من التشدُّدِ المبالَغِ فيه، ولكنّ الإحصاءات التالية قد تغيّر رأيك:
سبعة آلاف شخص تقريباً يلقون حتفهم سنوياً جراء حوادث السير في المملكة، منهم 4000 شخص تقريباً يفارقون الحياة في موقع الحادث.عدد الحوادث المرصودة في عام واحدٍ أكثر من 500 ألف حادث رغم تطبيق نظام ساهر.تكاليف العلاج السنويّ لمصابي الحوادث في حدود 21 مليار ريال، ما يعادل 4.7 % من إجمالي الناتج القوميّ، ويعادل أضعاف ما يتم إنفاقه على بعض القطاعات التنموية التي تفيد المواطنين، ويعادل نصف ميزانية دولٍ لها كيانها وحضورُها الدوليّ.
ولو وضعنا متوسطاً يبلغ 30000 ريال لعلاج كل مصاب وإصلاح سيارته لبلغت التكلفة ملياراً وخمسمئة ألف ريال شهرياً!
ودعنا نتجاوزُ الخسائر المادية إلى التأمل في خسائر الأرواح، وما يترتبُ على كل فقيدٍ من آثار سلبية نفسية واجتماعية على أسرتِهِ وأقاربِهِ.
حين تتأمل عزيزي القارئ هذا الحجم المهول من خسائر الحوادث المرورية بشرياً ومادياً فإنّك ستدركُ لماذا تجعل دولة كبريطانيا الحصول على (رخصة) صعباً إلى هذا الحد.
سأروي قصة أخرى..
كنتُ أسيرُ في خطٍّ سريعٍ واحتجتُ إلى الانتقال للضفةِ الأخرى، وبدلاً من الخروجِ من المخارج المخصصة انسللتُ عبر فتحةِ طوارئ مستغلاً فراغ الشارعِ من السياراتِ، وعدم وجود رجال الشرطة، وبعد دقائق توقفتُ في محطةٍ فإذا بسيارةِ شرطةٍ تقف خلفي، وإذا برجل المرور يسألني: كيفَ تخرجُ في الخط السريع من ضفة إلى أخرى؟ قلتُ: عبر المخارج، قال: ولكنك لم تفعل ذلك قبل قليل! وردني بلاغٌ من أحد المواطنين، ولو أنّي رأيتك بنفسي لسحبتُ رخصتك ومنعتك من القيادة لأشهر! فلا تعد لمثلها!أشهر من الحرمانِ بسبب دخولٍ من فتحةِ طوارئ! مرةً أخرى ليست هذه مبالغةً في التشدد ولكنّها صيانةٌ للأرواحِ والمقدّراتِ.ولا تُغفلْ وعي المواطنِ الذي بلَّغَ عن تجاوزي ومخالفتي.
إنّ القضاء على الحوادث بالكلية متعذرٌ، ولكنّ تقليلها قدر الإمكانِ واجبٌ وطنيٌّ لا يجوز التساهلُ فيه أبداً. وكلُّ تشديدٍ يضمنُ تقليلَ الحوادث وحماية الأرواحِ هو في محلِّه.
وليتسنّى لنا بلوغُ المأمول فلا بد من مراعاة (ثلاثية الحوادث): السائق، والمركبة، والبيئة.
لا بدّ من سائق واعٍ منضبطٍ، ومركبةٍ سليمةٍ، وشبكةِ طرقاتٍ صالحةٍ.
وكلُّ علاجٍ لا يستوعب هذه الثلاثة معاً هو علاجٌ جزئيٌّ محدود الأثر.
كفانا الله شرّ الحوادث.